أثر الفراشة [2]

في الجزء الأول تحدثنا عن بداية المرأة الريادية روزان الخازندار وكيف وضعت قدمها على أول السلم الوظيفي، هنا نحكي عن الصعوبات ومفهوم الريادة بالنسبة لها، فقد ركزت روزان على قناعة المجتمع تجاه قيادة المرأة للعمل، وضعف الإيمان بها كواحدة من أبرز الإشكاليات التي واجهتها عند الانطلاق، إلى جانب سلبية الموقف المتمثل في النظرة المستهجنة لمن تقف في البازارات أمام “البسطة” على حد وصفهم نتيجةً لضعف الوعي بسبل التسويق. إضافة إلى صعوبة تنظيم الوقت في البدايات الذي كان من شانه أن يوقعها في التقصير، ويُدخلها في صراع التوفيق بين المهام المنزلية والمتطلبات العملية معترفةً بأن الإنجاز قد يكون على حساب الصحة أو المنزل أحيانًا، فلمصطلح Super woman ثمنه.

 

المحنة المانحة

الحصار هو أكثر ما كان يؤرق المرأة الريادية روزان ويحول بينها وبين تصدير واستيراد المنتجات الملموسة، وانعكاس ذلك سلبيا ًعلى خطوط الإنتاج، الأمر الذي دفعها لإبطاء عجلة التصنيع الملموس خاصة بعد اكتفاء السوق منها إثر انتشارها بين الناس.
وعن العدوان المتكرر على قطاع غزة  رسمت روزان صورة الحالة النفسية التي تحاكي صعوبة الحكايات، وتناسب شدة الآلام، حيث أكدت أن مجريات الأحداث من شأنها أن تصيب نفسية المرء بشلل يعطله لأيام عن الإنجاز، وهو يواجه المشاعر السلبية إثر الصدمة وتبعاتها.

الحصار هو أكثر ما كان يؤرق المرأة الريادية روزان ويحول بينها وبين تصدير واستيراد المنتجات الملموسة، وانعكاس ذلك سلبيا ًعلى خطوط الإنتاج، الأمر الذي دفعها لإبطاء عجلة التصنيع الملموس خاصة بعد اكتفاء السوق منها إثر انتشارها بين الناس. وعن العدوان المتكرر على قطاع غزة  رسمت روزان صورة الحالة النفسية التي تحاكي صعوبة الحكايات، وتناسب شدة الآلام، حيث أكدت أن مجريات الأحداث من شأنها أن تصيب نفسية المرء بشلل يعطله لأيام عن الإنجاز، وهو يواجه المشاعر السلبية إثر الصدمة وتبعاتها.

وحول أزمة كورونا، فقد كانت فرصة لميلاد منحة من رحم المحنة من وجهة نظر روزان، ففي الوقت الذي كان يغلق العالم أبوابه، فتحت روزان شركتها في أحد المراكز التجارية المشهورة بحلتها الجديدة والمختصة في بيع خدمات أعمال الدعاية والإعلان والبرمجة، عبر منصات العمل الإلكترونية المختلفة تحت اسم “Rozza Designs”، تلك الشركة التي باتت مركزًا لاستقبال السيدات الرائدات والرياديات، وحضنًا للمواهب ومنارةً تشجع على استثمار  الطاقات في تشكيل المهارة.

الشركة تضم 14 موظفاً يعمل معظمهم على الهواية لا على التخصص، موضحةً أنها تركز على تذليل العوائق لفريق العمل من خلال توفير الكهرباء والإنترنت والمواصلات وصرف الرواتب للبعض، مشيرةً إلى رغبتها في خلق بيئةٍ عمليةٍ منضبطة ومنزوعة من الأعذار، في سبيل زيادة الإنتاج رغم انعدام حاجة العمل إلى مكان متخصص للتجمُّع؛ لتصبح شركة روزان بوابة جديده للإبداع والتميز تتخذ الدمج بين الموهبة والتخصص منهجًا لها.

ومع استمرار الجائحة انشغل الناس بالمواقع الإلكترونية على اختلافها، فكانت خير فرصة لتوسيع حلقة التشبيك والتواصل مع الشركات من أجل تحقيق المعاملات التي كانت تحققها رحلات سفر كبيرة، الأمر الذي سهّل عليها تحديد الاجتماعات وإنجاز المقابلات دون عناء السفر المضاعف في غزة. وباتت الشركة تندرج تحت إطار العمل الحر بصورة تتناسب مع التحليق دون قيود الحصار، عبر بيع الخدمات داخل وخارج حدود قطاع غزة، متخذةَ من البحث في الثقافات المختلفة، وسيلة لتقديم خدمة تناسب الزبائن وترتقي لأذواقهم.

بيئة عمل خصبة

السيدة روزان الخازندار في تكريم أطفال التحقوا بدورات في شركتها

وبحلول 2020 توسع نطاق البيع ليصل إلى اليابان والأردن وأمريكا ودول الخليج والصين، منوهة إلى موسم حصاد اللوز الذي استثمرته في تصاميم خاصه باليابانيين مستعينة بشجرة “الألموند” التي تعطيهم الأمل، مؤكدةً أن أجمل ما في التصميم هو قدرته على تلخيص فكرة عظيمة أو قصة كاملة واختزالها في مجموعة من الخطوط والرسوم والألوان، لتعلن بعدها عن خدمات خاصة بمجال تصميم الأزياء.

رحلة النجاح هذه لم تكن سهلة، على صعيد ريادة أعمال النساء الفلسطينيات، أو على صعيد مجابهة التحديات التي تخوضها سيدات الأعمال العرب، وهو ما دفع روزان للامتنان للفرصة والفخر بالإنجاز عند افتتاحها للشركة وبالسعادة عند سماعها لكلمات الدعم والثناء، لا سيما إن كان مصدرها أفراد العائلة التي مثلت الذراع الأول في الدعم المعنوي والمادي، كما حظيت بأصدقاء آمنوا بقدرتها على البلوغ، وقدموا لها حوافز الاستمرار، حيث أمسى بعض رواد الأعمال مركزًا للاستشارات ومحطةً للتوجيه، إلى جانب عدد من الوزارات والمؤسسات المعنية بريادة الأعمال والمرأة، معربةً عن شكرها لكل من كان ظهرًا تستند عليه عند الحاجة.

وشددت المرأة الريادية على أن الإحباط هو مرحلة لا بد من المرور بها، ولكن الإصرار على المحاولة هو المؤهل الأكبر للوصول، حيث أن استمرارها في الصعود مكنّها من نقل مقر الشركة إلى مكانٍ أكثر مركزية بعد توسع العمل ليشمل خدمة تصميم الأزياء، إلى جانب عملها كمرشدة في منصة ميكرو متر الحاضنة للمشاريع الريادية من كافة أنحاء العالم ضمن برنامج فلسطينية، إضافة لتقدمها الكبير في مجال التدريب، لتتصّدر هذه النقلة النوعية إنجازات 2022 المسندة للشركة.

ولعلّ حيوية المكان الذي كان يضج بالألوان هي أكثر الأشياء التي لفتتني في الشركة، الأمر الذي دفعني لسؤال روزان عن سر الديكور المشع، وهنا أكدت روزان على اهتمامها بالتفاصيل وفق اطلاعها على علم الطاقة ومعاني الألوان؛ سعيًا منها إلى اضفاء الراحة في بيئة العمل، وتحقيق الاستقرار بين أعضاء الفريق الواحد من أجل زياده الإنتاج، وحرصًا منها على بث الإيجابية بين زوار الشركة وروادها والعاملين فيها، واستطردت روزان قولها بـ : “اللون اللي بيفتح النفس في بيئة العمل يشعرك بالرغبة في الإنتاج على عكس اللون الكئيب، فالألوان تُضفي نوع من الجو الأسري المطلوب فيه البعد عن الجمود في العمل”.

المرأة الريادية: استثمار وإرادة

عائلة الريادية روزان الخازندار

ولم تكتف روزان بالوصول، بل أرادت أن تكون جسرًا للحالمات، والنساء الفلسطينيات عامةمن بعدها، فحرصت على أداء واجبها في إطار المسؤولية الاجتماعية ،  فمنذ أن كانت ريادية صاعدة باشرت في تنفيذ مبادرة خيرية خاصة بالسيدات العاملات في مجال صناعة المنتجات اليدوية على اختلافها، حيث بدأت روزان بزيارة المنازل للتعرف على المنتجات والاحتياجات عن قرب، كما وحرصت على معرفة مدى الرغبة في العمل، والأسباب التي تدفع الريادية للاستمرار في العمل.

 واستمرت في دراسة الحالات لمدة شهر كامل تبعه اختيار النساء وتدريبهن على آليات التسويق وإطلاعهن على بعض الحسابات الخاصة بالمشاريع تحت عنوان “من كل بستان زهرة”. وذلك من أجل إعداد النساء للعمل وفق متطلبات السوق، وانتهت المبادرة بتمويل شخصي لسبع سيدات من أجل الانطلاق في مشاريعهن، ليتم الإعلان عن إتمام قصة نجاح (1)، وما أن أنجزت روزان قصة نجاح (1) إلا وباشرت العمل على أُخريات لتكون على موعد مع قصة نجاح (2)، والتي اختتمت بتمويل خمس سيدات بعد إكمالهن لمتطلبات التدريب، حرصًا منها على استمرار عجلة الخير التي دفعتها.

ولم تتوقف روزان عن المبادرة إلا أنها قررت تغيير مسار المواضيع المستهدفة، وذلك بعد هيمنة التكنولوجيا على العمل والحياة؛ حرصًا منها على مواكبة الانفتاح السوقي، فاتجهت نحو الشباب العاطلين عن العمل دون الالتفات لمسألة الجنس، ووفرت لهم فرص تدريب متبوعة بالاحتضان من طرف الشركة لتحقق قصة نجاح (3) نجاحًا باهرًا، ودافعًا لتنتقل روزان في قطار المبادرات إلى محطة “فراشات فلسطين”/Palestine Butterflies؛ للبدء بمشروع آخر يربط خطوات النجاح بمراحل حياة الفراشة الأربعة والتي تبدأ باكتشاف الموهبة والشغف وهي مرحلة التبويض، لتنتقل بعدها إلى مرحلة التدريبات البسيطة المختارة وفقًا للهواية والمدعمةً ببرامج مُساعِدة تُمكّن المتدربين من العمل على الموهبة، وهي مرحلة اليرقة.

وترى روزان أن الريادة عالم غير مقتصر على التفكير بالمشاريع، كما أنه غير متوقف على أصحاب المال، فهو مفهوم عظيم يشمل الاستثمار المدروس للمال وإن قل، مسبوقٌ بالإيمان بالفكرة والاستعداد بالنفس الطويل يتخلله الاستمرار في المحاولة بين الصعود والهبوط في سبيل الوصول. كما أنه يشمل القدرة على تحمل مسؤولية العمل وتلقي التدريبات واتباع خطوات معينة تساعد على إدارة الإيرادات والأرباح، ووضع آليات التصريف وخطط تحسين الإنتاج والنتائج، ورسم سبل التعاون بين أعضاء الفريق الواحد.

ودعت المرأة الريادية روزان الخازندار الشباب عامة، والغزي خاصة، إلى اللجوء إلى الأعمال الريادية، وبناء المشاريع واستثمار العمل عن بعد، عبر المنصات الإلكترونية المختلفة؛ في سبيل تحقيق الاستقلال المادي، كونها تُشكّل فرصة بديلة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع الأحوال العامة.

Leave A Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *