من غرفةٍ صغيرةٍ مُزودة بمصابيح الكفاح، ومُجهزة بمعداتٍ خاصة في ورشة تحقيق الأحلام ، المُزينة بطاقة الألوان، والإيمان والسعي ، ولقب “سيدات الأعمال العرب” التي لطالما حلمت به، إلى شركة كبيرة تجوب العالم في تقديمها للخدمات المتخصصة.
قصة نجاح تتجول كدرسٍ بين الرياديين في الأردن والصين، بطلتها روزان وسيم الخزندار، عضو منتدى سيدات الأعمال في فلسطين، البالغة من العمر (36) ربيع، والحاصلة على بكالوريوس في برمجة الكمبيوتر من جامعة “6 أكتوبر في مصر”. وهي مديرة ومؤسسة شركة روزا ديزاين لكافة أعمال الدعاية والإعلان وتصميم الأزياء.
هذا حوار نقابل فيه واحدة من سيدات الأعمال العرب، وواحدة من النساء الفلسطينيات الرائدات في مجالهن.
بداية البذرة "مغلق لتحقيق الأحلام"
وعن البدايات؛ فقد أكدت روزان الخازندار أن الخطوات الأولى تزامنت مع انتهاء عدوان 2014 على قطاع غزة، وانسحابها من الوظيفة التي كانت تعمل فيها، معتبرة أن سلسلة الوظائف التي خاضتها لم تُلبي أحلامها في الابتكار، وصناعة ما ترغب في ظل من تُحب ، الأمر الذي دفعها لتغيير الاتجاه في سبيل البدء في العمل على مشروعها الخاص؛ رغبةً منها في تحويل أفكارها إلى شيءٍ ملموس يجمع بين تخصصها الجامعي وموهبتها في التصميم وصناعة المشغولات اليدوية.
وتلبيةً لنداء الشغف وبحثًا عن الاختلاف، اختارت روزان إحدى غرف منزلها البعيدة عن الملهيات، وزوّدتها بالماكنات والمعدات اللازمة للعمل في حياكة الملابس والمفروشات وإنتاج المطبوعات المعززة بتصاميمها. كما ووضعت لافتة على باب الغرفة مقيدة الولوج اليها بعبارتي مغلق و مفتوح، واستأذنت أفراد العائلة بالامتناع عن الدخول أثناء العمل ما لم يكن هناك ضرورة، وذلك بعدما أوضحت لهم بأن وجودها في الغرفة هو وقت مستقطع لرسم مستقبلها.
أسرتها قابلت فكرتها بالاحترام واعتبروا هذه اللافتة قانونًا يحكم طبيعة المعاملة الفارقة بين الأم المربية والريادية الحالمة ، وهنا تقول روزان: “حطيت لافتة بسيطة وفهّمت أولادي أنه هنا أنا أحقق احلامي، ولما تشوفوا كلمة مغلق اعرفوا إنه اجتماع، ومع مرور الأيام باتت فكرة المفتوح متاحة، وهو الوقت الذي أعمل فيه دون ممانعة لدخول أفراد الأسرة والتعامل دون جمود المهمات”.
وبالرغم من بساطة البدايات إلا أن روزان كانت تنسج خطة العمل بدقة، وتُعد الخطط السنوية الشاملة إلى جانب البديلة والطارئة بدءًا من دراسة الجدوى، بعد تحديد الهدف والإعداد المبني على المعلومة، إضافة إلى الخطة الاستثنائية التي تشبه حبيبتها غزة في ظل الحصار العدوان الإسرائيلي المتكرر متكئة ًعلى الورق كأداة تقويم وقياس، وصندوق لأسرار أمنياتها، ووجهة الأهداف التي ترفع من قيمة الإنسان وتنهض به من خلال مزاياه.
وجهة إلى سيدات الأعمال العرب: "اللايك" الواقعي
لم تقتصر روزان في إعدادها للمكان لمباشرة العمل، بل اجتهدت في إعدادها لذاتها وتطوير مهاراتها وتوسيع معرفتها بالأدوات والأفران ونوع الورق ودرجة الحرارة عبر المنصات الإلكترونية المختلفة بما فيها الأجنبية المتخصصة، إلى جانب تنفيذها لعدد من الزيارات الميدانية، اضافةً إلى المشاركة في المعارض والبازارات كجزءٍ من العمل بحثًا عن (اللايك الواقعي).
هذه التجربة كانت مفتاحها لتعلم التسويق وفق أصوله. مما أهلها للتدريب في ميدان التسويق والجرافيك وتطبيقه في صورة ابداعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بما يسهم في نشر الفائدة التي تحب معرفةً عن نفسها ب (بناقلة الخبرة).
أما عن مصدر الإلهام الذي تستوحي منه روزان الأفكار، فقد أوضحت أنها كانت تعتمد عند انطلاقها على ذوقها الخاص و ما تحب هي عند صناعتها للتصميم، ولكنها سرعان ما أدركت فكرة النسبة والتناسب في مسألة الحب والزبون والحياة والناس من حولها ، وأضافت أن التصميم بات عملية قائمة على البحث عن احتياجات الجمهور من أجل ابتكار التصميم المستند على المعلومة، بعد تفعيل الخيال للخروج بتوليفة تلقى استحسان الزبون، خاصةً وأن تصاميم البدايات لم تكن لتُفهم بسهولة.
السيدة روزان الخزندار في لقاء لها
وبعد عامين من محاولة روزان لبناء سلم التميز والإنتاج، وصل عدد المنتجات الخاصة بمشروعها إلى 30)) منتجًا، حيث حظيت الطباعة على المفروشات والملابس بأكبر إقبالٍ من الزبائن، وما أن ثبّتت روزان أقدامها في المشروع، إلى أن انتقلت إلى صناعة التعليقات والميداليات والتذكارات الخاصة بالمسافرين متجهةً إلى أماكن تجمّع الزبائن الأجانب لترويج ما تصنع من الإبداع؛ فلقيت تلك الأشياء رواجًا كبير بين الزائرين لسهولة حملها ومناسبة حجمها للنقل.
ولكن سرعان ما بدأت تشعر روزان بأن النتائج اقتصرت على الجانب المادي، وافتقرت إلى القيمة؛ الأمر الذي دفعها إلى اسقاط الجانب الاجتماعي والثقافي والجمالي في فلسطين، وتحديدًا في غزة، على ما تصنع، وباشرت العمل في صناعة التحف الخشبية المأخوذة من شجرة الزيتون الأصلية.
كما واختارت الزيارات الميدانية لأماكن البهاء والتاريخ في غزة لالتقاط الصور الجمالية بهاتفها النقال وتحويلها إلى قطع فنية وتذكارية صغيرة، إلى جانب تصميمها لقطع تذكارية مدونة بـ (I LOVE GAZA)، وكأنها المدينة الوحيدة التي ولد فيها الهوى في محاولة لإيصال الرسالة الأكبر التي كانت تتمحور في نقل ثقافة الجانب المشرق من وفي غزة.
صنع في فلسطين
من مشغولات روزا ديزاين
ولرفع قيمة المنتج الثقافية، حرصت روزان الخازندار على توثيق ما تصنع عبر “تكت خاص”، يتضمن جملة “صنع في غزة” على كل منتجاتها الصادرة، كميثاق عزٍ يجوب العالم وينقل الصورة البهية التي تحب، لا سيما وأن منتجاتها حظيت برعاية خاصة حيث كانت تهتم بكل قطعة تنتجها بشكل يدوي، وتنسج كل شيء بعناية بدءًا من جمع القماش مرورًا بالتصميم وحتى الخياطة.
ورغم سمو الهدف الذي تشدو إليه روزان، إلا أنها التفتت بإدراك إلى ضرورة تغيير الكتابة وطريقة التوثيق تفاديًا لمشكلة اعتقاد البعض بأن قطاع غزة مدينة منفصلة عن فلسطين، الأمر الذي دفعها لاستصدار “التكت” الجديد “صنع في فلسطين” المدعم بشعار مستحدث تشكل خريطة فلسطين الجزء الأبرز منه، إيمانًا منها بقوه الرسالة التي تنقل لا سيما بعد وضوح الرؤية لديها عقب عدد من الزيارات والحوارات والمقابلات مع المثقفين العرب والأجانب، مشيرةً إلى أنها تخبر من يقتنيها بأنها من غزة في محاولة لتصدير الإبداع من رحم المدينة المحاصرة.
ومع نضوج التجربة أصبح العمل في الشركة أكثر استقرارًا، وذلك بعد تقديس روزان الخازندار لأهمية الوقت، وإلغائها للكثير من المكالمات والزيارات والملهيات، واهتمامها بتعزيز فكرة العائلة أولًا، ثم العمل ثانيًا في تربيتها لأبنائها في محاولة منها لتبكير الحصاد، لتتحول روزان إلى قدوة يحتذى بها في العمل والتوكل والإيمان بالهدف، وتخط طريقها كواحدة من سيدات الأعمال العرب.
ثلاثة أعوام على الانطلاق المحفوف بالدأب أهلت روزان للتتويج بلقب المرأة الريادية لعام بلا سعي شخصي للفوز، وذلك بعد ترشيحها من قبل عدد من الجهات عقب مشاركتها في برنامج “الزائر الدولي”، والذي سافرت من خلاله إلى أمريكا؛ لزيارة عدد من المقرات الريادية وبعض المراكز والمشاريع المالية واستمعت عبره إلى نماذج من النساء الرائدات في إدارة المال والدول، مشيرةً إلى أن تجربة السفر هذه أضافت لها الكثير من الأشياء التي انتهجتها في شركتها واتخذتها كمرجعٍ للتطبيق من أجل الوصول.
مرّ ربيعان على اللقب، ورحلة جديدة تنتظر روزان لتشق طريقها نحو الأردن، أملًا في توسيع دائرة العمل بالتشبيك والتعاون من خلال المقابلة مع الرياديين وأصحاب الشركات في حديقة الأعمال، وهي لم تكن تدرك أن فرحة غير متوقعة وليدة اللحظة والصدفة تنتظرها حين قدّمت نفسها لإحدى الرياديات هناك، فعرفت أنها ابنة غزة العنيدة.
وأخبرتها بأنهم يدرسون قصتها للطلبة على اختلاف مراحلهم التعليمية في كتابٍ خاص بتأسيس الشركات في الأردن، والذي أنجز في سبيل تعليم الرياديين كيفية بناء المشاريع؛ وهنا اعترى روزان شعورًا بالفخر والسعادة، وحرصت على الحصول على نسخة من هذا الكتاب ، حيث كانت حكاية هذا الكتاب نتاجًا لمقابلة روزان في إحدى الشركات الإعلامية المحلية في غزة، التي قامت بترشيح قصتها لتلك الجهة التعليمية.
حبيبة السفر
السيدة روزان الخزندار في مقر شركتها "روزا ديزاين"
حبيبة السفر لقب جدير بروزان أن تحصده حين أكدت على عشقها لفكرة التنقل بين دول العالم رغم كل ما يحمله السفر من عذاب، حيث سلكت طريقها نحوه منذ أن اختارت التخصص الجامعي، وقررت الالتحاق بجامعه (6) أكتوبر لدراسة برمجة الكمبيوتر، الذي كانت دراسته تقتصر على الرجال في حينها، لتكون الفتاة الوحيدة إلى جانب صديقة أخرى آمنت بأن المرأة قد تفعل ما لا ينجزه الرجال.
واستطردت روزان الخازندار بأن السفر فرصة أخرى لحضور الدورات والمشاركة في المؤتمرات، فهي ترفض فكرة الامتناع عن التعليم بعد الوصول إلى نجاح معين، ولعلّ هذا ما دفعها للسفر إلى الإمارات العربية المتحدة، والمشاركة في برامج تدريبية مختلفة في أمريكا، وزيارة مصر للتشبيك بعد الدراسة، والتوجه نحو الأردن بحثًا عن سبل التعاون، والمكوث فترة في بيروت من أجل المشاركة وتوطيد العلاقات.
إلى جانب وصولها لشق الوطن المحتل في رام الله والقدس لذات الأهداف، معتبرةً أن الاستمرار في تطوير الذات والعلاقات واحدة من متطلبات تخصصها المعاصر، الذي يتضمن الكثير من التحديات حول الملفات والأسواق، التي تحتاج لدراسة دورية في محاولة لضمان رضى الزبون وتحقيق عنصر الجذب في المنتج، كما يتطلب ممارسة وفق خطط قصيرة وطويلة المدى وإتمامها على أكمل وجه.
وأوضحت روزان أن سكة الرحلة هذه كانت محفوفة بمعاناة الطريق والانتظار والتفتيش، إلى جانب وعورة الإجراءات الخاصة بالفلسطينيين، إضافةً لمشقة العبور وطول فترة صدور التصريحات وصعوبة الحصول عليها على اختلافها ومادية التنسيق الذي يتطلبه تيسير الوصول، وأعربت روزان عن الانعكاس السلبي لهذه التعقيدات التي تتكرر في الذهاب والإياب على نفسية الريادي الحالم بمزيد من الإنجاز، ليبني من تراكمية الدروس التي يعطيها إياه السفر عبرات حياتية ومهنية تستحق أن يَصرف عليها المرء ماله بسعادة.
وعلى الجانب الآخر، فقد كانت اللغة الإنجليزية رفيقةً لتسهيل المعاملات والتواصل مع الآخرين، ووسيلة لكسب المنح الريادية، وإنجاز عدد من الحوارات مع المختلفين ثقافيًا، مشددةً على أهمية اللغة، حيث كانت سلاحًا لفكرتها والرسالة التي أمست مادة صحفية لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية، ومفتاحًا لجذب المزيد من التعاون الذي يجلب الزبون.
لم تنته القصة بعد.. باقي الحكاية في الجزء الثاني.